العريضة

في روايتها "العريضة" ترصد الروائية "نورة آل سعد" من قطر تأزمات المجتمع العربي، ولا سيما الخليجي، على مختلف المستويات السياسية والإجتماعية والثقافية في ظل الأنظمة، والبنى التقليدية، التي سيطرت منذ خمسينيات القرن الماضي وصولاً إلى عصرنا الراهن. أهم ما يميزها تقانة السرد العالية والشجاعة في معالجة الجانب الخفي من تناقضات المجتمع الأبوي الموسوم بأطر حددت للأفراد سلفاً دورهم في المجتمع. فلدى كل شخصية من شخصيات عملها الروائي هذا فردانيتها الخاصة التي تعيشها بعيداً عن العادات والتقاليد سواءً أكانت رجلاً أم امرأة، فالكل يعيش شخصية مزدوجة ومعاناة مكثفة، حيث تتحدث الروائية عن صيرورة الفرد المطلوبة والمسموح بها في المجتمع الأبوي والتي تجعل الفرد يضحي بالكثير من مخزونه الإنساني لكي يحتفظ بالنهاية بصورة مثالية عن نفسه وسط المجموع النسخي المتماثل. فإذا أخذنا "عائشة" الزوجة المثالية لرجل أعمال ناجح وفّر لها كل متطلبات الحياة والرفاهية، لكنه بعيد عنها ويعيش حياته الخاصة ونجاحاته، أما هي فقد خلقت لنفسها عالماً انسحبت بواسطته إلى أقصى أعماق داخلها المستور عن الجميع "لقد صنعت عائشة (عائشة) أخرى، كان وجودها الآخر يمنع عالمها من الإنهيار". لم تكتفِ "نورة آل سعد" في عملها الرائع هذا عند حدود الذات الإنسانية بالإقتراب منها والكشف عن ارتحالاتها وأحلامها، بل تطرقت إلى العديد من المواضيع الحساسة والمصيرية، وعملت على الغوص في تحليلات سياسية وجوهرية للعملية الزمنية وصيرورة الحياة ودورانها، فجاء العمل بمثابة تحليل نقدي وجذري لمراحل تطور مجتمعنا العربي منذ عصر ما قبل الحداثة وصولاً إلى حاضرنا المقلق الذي نحياه، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن (المرأة الكاتبة) في الخليج أصبحت معنية بالتغيير والتأثير في الخطاب الثقافي في المنطقة، فكانت نورة آل سعد خير ناقدٍ، وخير من لفت الأنظار إلى الثغرات والأخطاء التي يرزح تحت وطأتها المجتمع الأبوي.