القصر المسحور

يُعد رواية القصر المسحور واحدًا من الأعمال الأدبية الفريدة التي تمزج بين التراث العربي العريق والخيال الحديث، بأسلوب يمزج بين العمق الفلسفي والروح الحكائية التي اشتهرت بها الأساطير الشرقية. في هذا العمل الإبداعي يقدّم طه حسين رؤية مبتكرة لشخصية "شهرزاد"، تلك الساردة الأسطورية التي أسرت خيال القرّاء منذ «ألف ليلة وليلة». لكن "شهرزاد" هنا ليست مجرد راوية للحكايات، بل شخصية حية تتأمل ذاتها ومكانتها وسلطانها القديم على قلوب الرجال.

تبدأ القصة عندما تستلقي شهرزاد على فراشها الفاخر، تغوص بين الوسائد الدمشقية، بينما يغوص عقلها في دوامة من التساؤلات والقلق. فهي لم تعد واثقة من قدرتها على سحر الرجال كما كانت قديمًا، خاصة بعد أن حاولت أسر رجل غريب ليكون لها أنيسًا، لكنها واجهت منه الجفاء والرغبة في الهرب. هذا الشك الداخلي يدفعها للتساؤل: هل فقدت شهرزاد جاذبيتها؟ أم تغيّر العالم من حولها؟

في هذا الجو المفعم بالغموض يدخل طه حسين إلى المشهد الأدبي، ليقدّم معالجة ذكية للصراع الفكري الذي يدور داخل شهرزاد. فهي تشكو إليه صديقه توفيق الحكيم الذي حاول — في مسرحيته — فهمها وتحليل أسرارها، معتبرة هذا الفهم إثمًا، لأن "من فهم شيئًا فقد قتله". ينصحها طه حسين بأن تتخذه سميرًا لها، فهو قادر على أن يكون مرحًا حين يكون المزاج مرحًا، وعميقًا حين تقتضي اللحظة ذلك.

تُعجب شهرزاد بهذه الفكرة، فتقوم — بأسلوب أسطوري ساحر — بخطف توفيق الحكيم إلى قصرها الفريد المقام على سفوح جبال الألب في فرنسا. وهنا تبدأ المغامرة الحقيقية. لا يعود الحوار بينهما مجرد لقاء بين كاتب وشخصية خيالية؛ بل يتحول إلى ملحمة فكرية تجمع الأدب والفلسفة والنقد في قالب من الحوار الممتع.

يستعرض الكتاب حوارات غنية تتناول جوهر الإبداع الأدبي، وطبيعة الخيال، وحدود الفهم بين المؤلف وشخصياته. يقدّم طه حسين عبر هذا العمل درسًا عميقًا في العلاقة بين الكاتب والنص، وبين الحكاية والمتلقي. كما يكشف عن قدرة الأدب على تخطي الأزمنة والأمكنة، ليجمع بين شخصيات خيالية وكُتّاب واقعيين داخل فضاء واحد.