اللعبة

يقدّم الكاتب ديك الجن في كتابه اللعبة رؤية فريدة ومبتكرة حول مفهوم القدر والوجود الإنساني، من خلال سرد يعتمد على فكرة محورية تقوم على أن الحياة ليست إلا لعبة ذات قواعد محددة تُفرض على الإنسان قبل حتى أن يبدأ رحلته فيها. يبدأ السرد بتقديم «القواعد» للقارئ بشكل صادم ومباشر: سيتم وضعك في مدينة عمّان لتبدأ حياتك، وبعد مرور 24,160 يومًا — أي ما يزيد على ستة وستين عامًا بقليل — سيتم نقلك إلى لوس أنجلوس حيث تنتهي اللعبة. يضع الكاتب هذه الفرضية ليؤكد أن مسار الحياة ليس عشوائيًا، وأن كل خطوة وكل خسارة وكل علاقة ليست سوى جزء من خطة كونية أكبر.

تُروى حياة البطل وفق هذا الإطار، فيولد داخل عائلة عربية بسيطة تتكون من أب وأم وأختين، ليعيش طفولته داخل بيئة آمنة قبل أن يبدأ اختبار الألم الحقيقي. ففي سن الخامسة والعشرين، يفقد والده، وهو حدث يمثل أول شرخ عميق في روحه. وبعد عشر سنوات فقط، يواجه الفقد من جديد حين ترحل والدته، ليدخل في مرحلة من الضياع العاطفي والفراغ الوجودي. لكن الكاتب يؤكد أن هذه الأحداث المؤلمة، رغم قسوتها، ليست نهاية الرحلة، بل محطات يجب عبورها بالصبر والحكمة.

يُظهر الكتاب كيف يمكن للإنسان أن يتجاوز صدماته الكبرى، وكيف أن الزمن يملك القدرة على تضميد الجراح مهما بدت عميقة. يصف ديك الجن حياة البطل بأسلوب يمزج بين الواقعية والبعد الفلسفي، ليعيد تشكيل مفهوم القدر باعتباره «لعبة» يُختبر فيها الإنسان بما يحمله من قوة داخلية، لا بما يتلقاه من ضربات خارجية.

كما يقدم السرد بعدًا نفسيًا واضحًا، إذ يعرض رحلة البطل في مواجهة الوحدة، وسعيه الدائم لفهم ما يحدث حوله، ومحاولته التعايش مع خسائره دون أن يفقد إنسانيته. وحتى في تفاصيل مصير الأختين — اللتين ترحلان بعد وفاة البطل — يترك الكاتب رسالة ضمنية حول طبيعة الدورة الحياتية، وكيف أن كل شخص في هذه اللعبة له توقيته، وله خيطه الخاص الذي يكتمل عند لحظة معينة.